كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الجمعة، 8 يناير 2010

نحو وعي سياسي .. الأمن القومي أبعاده وصياغته (من موقع أمل الأمة )

أبعاد الأمن القومي


لقد جري استخدام اصطلاح الأمن القومي للتعبير عن مجموعة سياسات تتخذ لضمان سلامة إقليم الدولة والدفاع عن مكتسباتها في مواجهة أعداء‏,‏ سواء في الداخل أو‏‏ الخارج‏..‏ وقد اتسع مفهوم هذا الأمن في العقود الأخيرة ليشمل قضايا ليست بالضرورة ذات طابع عسكري أو‏ أمني، إذ تتجاوز ذلك إلى مجموعة من الاجراءات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية‏..‏ والسبب أنه قد ثبت أن هناك مهددات للأمن القومي بخلاف العدوان والمهددات الخارجية‏..‏ مثل صراع الفروق الطبقية وسوء توزيع الدخل وغياب العدالة الاجتماعية.‏ من هنا.. فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادا متعددة لها خصائصها التي تثبت ترابطها وتكاملها، وهي..

أولا: البعد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة وهو ذو شقين داخلي وخارجي.. يتعلق البعد الداخلي بتماسك الجبهة الداخلية وبالسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية. أما البعد الخارجي فيتصل بتقدير أطماع الدول العظمى والكبرى والقوى الاقليمية في أراضي الدولة ومواردها، ومدى تطابق أو تعارض مصالحها مع الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحكمه مجموعة من المبادئ الاستراتيجية التي تحدد أولويات المصالح الأمنية وأسبقياتها.


ثانيًا: البعد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.. فإن مجال الأمن القومي هو الاسترتيجية العليا الوطنية التي تعنى بتنمية واستخدام كافة موارد الدولة لتحقيق أهدافها السياسية، كذلك النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي هما الوسيلتان الرئيسيتان والحاسمتان لتحقيق المصالح الأمنية للدولة وبناء قوة الردع الاستراتيجية وتنمية التبادل التجاري وتصدير العمالة والنقل الأفقي للتكنلوجيا وتوطينها وبخاصة التكنولوجيا العالية والحيوية.

ثالثًا: البعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.. فبغير إقامة عدالة أجتماعية من خلال الحرص على تقريب الفوارق بين الطبقات وتطوير الخدمات يتعرض الأمن القومي للخطر. ويرتبط هذا البعد كذلك بتعزيز الوحدة الوطنية كمطلب رئيسي لسلامة الكتلة الحيوية للدولة ودعم الإرادة القومية وإأجماع شعبها على مصالح وأهداف الأمن القومي والتفافه حول قيادته السياسية، ويؤدي الظلم الاجتماعي لطبقات معينة أو تزايد نسبة المواطنين تحت خط الفقر إلى تهديد داخلي حقيقي للأمن القومي تصعب السيطرة عليه، وبخاصة في ظل تفاقم مشاكل البطالة والإسكان والصحة والتعليم والتأمينات الاجتماعية.

رابعا: البعد العسكري.. فتتحقق مطالب الدفاع والأمن والهيبة الإقليمية.. وذلك من خلال بناء قوة عسكرية قادرة على تلبية احتياجات التوازن الاستراتيجي العسكري والردع الدفاعي على المستوى الإقليمي لحماية الدولة من العدوان الخارجي، بواسطة الاحتفاظ بهذه القوة في حالة استعداد قتالي دائم وكفاءة قتالية عالية للدفاع عن حدود الدولة وعمقها. والقوة العسكرية هي الأداة الرئيسية في تأييد السياسة الخارجية للدولة وصياغة دورها القيادي وبخاصة على المستوى الإقليمي، ويمتد البعد العسكري إلى إعداد الدولة والشعب للدفاع ودعم المجهود الحربي في زمن الصراع المسلح ولتحقيق مطالب الردع في فترات السلم.

خامسا: البعد الثقافي.. الذي يؤمن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.. وهو الذي يعزز ويؤمن انطلاق مصادر القوة الوطنية في كافة الميادين في مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية، ويوسع قاعدة الشعور بالحرية والكرامة وبأمن الوطن والمواطن، وبالقدرة على تحقيق درجة رفاهية مناسبة للمواطنين وتحسين أوضاعهم المالية بصورة مستمرة. إن الدور الثقافي بالغ الأهمية في تحصين الوطن من الأطروحات الثقافية للعولمة وصراع الحضارات، اذا أخذناه بالمفهوم الشامل متضمنا‏..‏ الفكر والثقافة والتعليم والإعلام والفنون والأدب‏..‏ فالأمن القومي يعني ‏"تمكين الشعب من ممارسة منظومة القيم الخاصة به على أرضه المستقلة"‏.

صياغة الأمن القومي

لا خلاف عالميا على تعريف نظرية الأمن القومي، لكن الخلاف دائما ما يقع فيما يسمي باستراتيجية الأمن القومي وأسلوب تنفيذ الفكرة‏..‏ والسؤال يتمركز أولا في‏ كلمة‏ الأمن‏ وماذا تعني‏..‏ فهي تعني "تغييب التهديدات للإنسان والمجتمع"،‏ ومن هنا فإن صياغة الاستراتيجية القومية لتنفيذ الأمن القومي ترتكز إلى ثلاثة عناصر محددة تتكامل مع بعضها وهي..‏ المصالح العليا للدولة ـ أهداف الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ـ تحديد التهديدات القائمة والمحتملة. وهذه العناصر تعني تأمين سلامة الدولة ضد الأخطار الداخلية والخارجية، وتأمين مصالحها، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها القومية. ومن أولى المهام التي يجب التركيز عليها.. تطوير القوة الشاملة،‏ لكي تكون للوطن هيبته وينسج علاقاته وتتسع حركته، وفي نفس الوقت ينبغي ترتيب التهديدات وخطورتها.

والهدف الرئيسي للأمن القومي هو

التركيز على قيمة الانسان،فالقاعدة الشعبية العريضة هي ركيزة الأمن‏..‏

ورغم أن القوة العسكرية مهمة ومطلوبة لكن هناك أيضا القوة الاقتصادية ونصيب الفرد من الدخل القومي،ودرجة نمو المجتمع، والمنظومة السياسية والاجتماعية السائدة التي تتيح لكل قوى الشعب التعبير عن نفسها،ومستوى التنمية والمعادلة بين مستوى المعيشة ونفقات الدفاع،وتحديد المصالح الحيوية في الداخل والخارج،وأيضا تحديد الدوائر الحيوية وترتيبها.

هذا ويتم صياغة الأمن القومي على ضوء أربع ركائز أساسية..

1- إدراك التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية.

2- رسم استراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمن لها.

3- توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية.

4- إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات والتحديات.

إن التحرك على المسرح السياسي ليس تحرك كتل مهما بلغت أحجامها، بل هو تحرك إرادات، والعامل الحاسم في التعامل مع الآخرين هو حجم قدرتنا، والقدرة هي مجموع القوى في المجالات المحتلفة..

القدرة = القوة السياسية + القوة الاقتصادية + القوة الاجتماعية + القوة العسكرية + القوة الثقافية.

وفي ظل التخلخل والفراغ السياسي لا يتحقق الأمن القومي، ولا يمكن استعاضته عن طريق القوة العسكرية، لأن الأمن القومي يقاس بالقدرة وليس بالقوة. وكل من هذه القوى لها مجالها الحيوي مع وجود تداخل بينها،وبالتالي فإن الأمن القومي له مجاله الجغرافي،وله أيضا مجاله الحيوي،وهو يتحرك في كل من المجالين بأساليب معينة وفق الضرورات والمقتضيات الخاصة به‏.. من حيث أن البعد الجغرافي تحكمه دلالات الموقع الجغرافي وحدودها الطبيعية مع الدول المجاورة وعلاقات التحالف وحسن الجوار والمصالح القومية الحيوية، ودور الدولة في السيطرة على الممرات المائية والمضايق وتأثيرها على التجارة العالمية وصادرات الطاقة وحركة الافراد والسلع عبر الحدود المشتركة مع البلدان المحيطة بالدولة.

والأمن القومي الذي يضع حماية حدود الدولة على قمة أولوياته سيغير من هويته في السنوات القليلة المقبلة، أو أنه سيستكمل هذا التغيير الذي بدأ بالفعل، بحيث تتصدر هذه الأولويات عناصر مضافة من أهمها اعتبار بؤر الغضب المتراكم في الداخل قضية أمن قومي لا تقل أهمية عن حماية حدود الدولة، وهي البؤر التي تعمقها المشكلات المستحكمة كالبطالة، وارتفاع الأسعار المتجاوز لحدود المنطق المعقول، ومن دون أي مبرر اقتصادي.

كما تـأثر مفهوم الأمن القومي منذ بداية التسعينات بتراجع سيادة الدولة على أرضها باعتماد مبدأ التدخل في الدول الأخرى لأسباب إنسانية، بالإضافة إلى أننا مقبلون على دولة السوق التي تحل محل الدولة القومية، والتي ستلعب فيها الشركات متعددة الجنسيات أدوارا كانت تقوم بها الحكومات من قبل. وكذا اعتبار الإصلاح السياسي مهمة دولية تدخل في صلاحيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لارتباطه بالأمن العالمي للمجتمع الدولي، والأمن القومي لدول ترى فيه قضية تخصها مباشرة، وتضع له وسائل وخططا ضمن ممارسات سياستها الخارجية. ودخل أيضا ضمن مفهوم الأمن العالمي، موضوع الأمن الإنساني، منطلقا من حماية حقوق الإنسان. وبسبب هذا التغيير في مفهوم الأمن العالمي، والأمن القومي، لم يعد يصلح التعامل مع المشكلتين كل على حدة، بل احتواؤهما معا من زاوية التعامل معهما وفق استراتيجية الأمن القومي لأية دولة.

الثلاثاء، 5 يناير 2010

توصيات تربوية من واقع الأحداث .. د. محمد بديع

توصيات تربوية من واقع الأحداث

بقلم: د. محمد بديع

من فضل الله علينا وعلى الناس أنه ربنا الكريم الحنان المنان الذي لا يترك عباده ويتولى الصالحين وحتى المخطئين؛ فهو طبيبهم يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب، وقد عاشت جماعتنا المباركة منذ نشأتها في كنف الله عز وجل، تتقلب بين نعم فتشكره عليها، وتصبر على ابتلاءاته فيجعلها الكريم منحًا في طيات محن، وكان وما زال وسيظل هذا هو استقبالنا لتربية الله لنا بالأحداث كما قال عز وجل: ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (النور: من الآية 11)، وكما قال رسوله صلى الله عليه وسلم: "عجبتُ لأمر المؤمن إن أمره كله لهو خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن".

لقد ظهرت ثغرات تحتاج إلى أن نسدها بسرعة وبإتقان، فكل واحد منا على ثغرة من ثغور الإسلام، فلا نؤتين من قِبلك، وكذلك أي ثغرة نجدها في الصف يتسلل منها الشيطان، كما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم رأي العين، وعلَّمنا أن نسدها بجسدنا في الصلاة التي تمنع فيها الحركات أصلاً إلا هذه الحركة الضرورية لملء فراغات الصف، وللمصلي على ذلك الأجر حتى ولو كانت حركة لدعم أخ من آخر الصف حتى لا يصلي وحده، أي أنها حركة فيها تأخر في المكان والمكانة ولكن الأجر مضاعف.

حدث أن تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا غير صحيحة، وأحيانًا روايات وتحاليل مغرضة، وأثَّر ذلك في بعض أفراد الصف، وهذا شيء طبيعي ولكن تداعياته خطيرة إذا لم يُعالج ولم تُعالج أسبابه، وهذا هو العلاج الرباني والنبوي الشريف ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ(12) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)﴾ (النور)، ﴿فتبينوا﴾، وفي قراءة ﴿فتثبتوا﴾، وهذه أوامر نزلت للتنفيذ؛ فلماذا غفلنا عنها وغفلنا عن دوافع هذه الفتن ﴿يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ﴾، والأخطر من ذلك ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 47).

نعم إنه في المقابل يجب أن تعرف الأخبار الصحيحة، وإذا حدث خطأ وجب على المخطئ أن يعترف بخطئه فهذه فضيلة (ولهذا حديث آخر بإذن الله)، أما الحديث النبوى الشريف في هذا المقام؛ فيعلمنا أننا يجب أن نحب ما يحبه الله، ونكره ما يكرهه الله "إن الله كره لكم قِيل وقال"، واللافت للنظر أنه عليه الصلاة والسلام حذَّر أولاً من قيل، وهي الكلام مجهول المصدر (صرَّح مصدر رفض ذكر اسمه)، (مصدر وثيق الصلة بالجماعة)، (صرَّحت شخصية قيادية نحتفظ باسمها) قبل أن يحذرنا من قال، وهو الكلام المعلوم المصدر، وكل ذلك من أساليب الدس والوقيعة والتماس العيب للبرآء.. لذا يجب أن نشغل أنفسنا بمعالي الأمور التي يحبها الله ويكره سفاسفها؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كثر اللغط في الغزوة من حديث الإفك، أمر أصحابه أن يركبوا دوابهم، ثم تقدم بهم للأمام يومًا كاملاً؛ حتى حلَّ عليهم التعب فناموا فجعل العلاج مزيدًا من العمل بعد العمل ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ(7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾ (الشرح)، فلا وقت للكلام والواجبات أكثر من الأوقات "لو أنكم تشترون الكاغد (أدوات الكتابة) للحفظة لسكتم عن كثيرٍ من الكلام"، هذا قول الصادق المصدوق في فضول الكلام، فما بالكم بالمكروه منه فضلاً عن المحرم.

وزاوية ثانية لوحظت في هذه الفترة أيضًا، بعد أن سكن الغبار والدخان الإعلامي المتعمد؛ وهي أن بعضنا لا ينضبط ميزانه، ولا يحصل على درجة النجاح في امتحان التجرد في الحكم على الأشخاص والمواقف بغير هوى (فاللهم ارزقنا أن نعيش مع الحق بغير خلق، وأن نعيش مع الخلق بغير نفس، وأن نعيش مع النفس بغير هوى)، ففي الغضب لا نغضى عن الحسنات وفي الرضا لا نرفع الشخص ولا الموقف فوق ما يستحق، وهذا فيما بيننا وبين بعضنا، وأيضًا فيما بيننا وبين كل الناس.

إخواني وأخواتي وأحبابي في الله..

إن قياداتكم بشر، فلا ترفعوهم بحبكم لهم إلى درجة مَن لا يخطئ، وعندما يخطئون لا تنزلوهم إلى درجة أقل من حقهم ومكانتهم؛ لأن هذا- إن حدث- خلل في ميزانكم وحكمكم على الموقفين.. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإمام في الصلاة رغم مكانته العالية عند الله وعند الناس بشر يصيب ويخطئ، وقد وضعت السنة لنا وله ضوابط تصحيح الخط أن نقول له: (سبحان الله) كلمة موجزة؛ لكنها عميقة الأثر فى التربية، فمعناها أن المنزه عن الخطأ والنسيان هو الله، أما أنا وأنت فالنسيان والخطأ واردان، وأيضًا درجة الخطأ لها سنة، فإن نسي الإمام التشهد الأوسط ونبهناه فلم يستجب، يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتابعه رغم ذلك لأن ذلك أوجب.. أما إذا قام ليأتي بركعة زائدة وأنت متأكد من ذلك يقينًا فاجلس في مكانك ولا تتابعه حتى ينتهي هذا الخطأ الكبير ويعود إلى نقطة الاتفاق؛ وهي التشهد الأخير فتقرأه معه، وتُسلِّم بعده فما زال إمامك وقائدك، فلا يجب أن أضخم الخطأ البسيط ولا أشارك في الخطأ الكبير؛ لأني أعرف الرجال بالحق، ولا أعرف الحق بالرجال، وفي نفس الوقت أحرص على وحدة الصف خلف القائد الصالح البشر الذى يصيب كثيرًا ويخطئ قليلاً.

وتحضرني قصة حادثة طريفة حكاها لي الأخ الكبير الحاج شناوي- رحمه الله وإخوانه جميعًا وأهلنا برحمته الواسعة- عندما كانوا في سجن قنا بعد مضي خمسةَ عشر عامًا في السجون نُقلت لهم مجموعة من شباب 65 من سجن طره، فاستقبلوهم بغاية الحب والترحاب؛ لأن امتداد الدعوة بهم عودة للروح بعد كل هذا الجهاد المرير، فإذا ببعض الشباب يرى أن شرب هؤلاء الإخوة المجاهدين للشاي تفريط ووهن في العزيمة واتباع للشهوة ولو كانت حلالاً، وقرروا هم ألا يشربوا إلا الحلبة، وسموا عنبرهم عنبر الحلبة وإخوانهم عنبر الشاي.. فجمعهم الحاج شناوى رحمه الله وقال لهم: (قبل أن تلتقوا بنا رسمتم لنا صورة ملائكية، ورفعتمونا إلى السماء ولا دخلَ لنا في هذا، وعندما عشتم معنا ووجدتمونا بشرًا خسفتم بنا الأرض دون ذنبٍ جنيناه، وكلاهما خللٌ في تقييمكم وميزانكم فاضبطوا ميزانكم تعتدل أحكامكم).


وتذكروا أيها الأحباب أن من صفات أهل الجنة أن تدعو أجيالهم لبعضها بظهر الغيب ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (10)﴾ (الحشر)، ولا تجعلنا من أهل النار الذين ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ (الأعراف: من الآية 38)، والعياذ بالله.. فاللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا غير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين، وانفع بنا الإسلام والمسلمين والناس أجمعين هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين.

واحذروا ما نبهك إليه الإمام البنا رحمه الله (الزلل فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره).