كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الأربعاء، 1 يوليو 2009

الشورى في الإسلام






مقدمة .. الشورى ممارسة إيمانية

الشورى قبل أن تكون نظام إسلامي متميز فريد في بابه يقرب بين المسلمين ويربط قلوبهم هي ممارسة إيمانية في المقام الأول ..
يقول الله عز وجل :
” والذين إستجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ”
ونلاحظ هنا أمرين :
هذا النص مكي كان قبل قيام الدولة في المدينة : ليعطي مدلولا أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها ليكون طابع مميز يحكم ممارسات الجماعة المسلمة كنوع من أنواع التعبد وكضرب من ضروب القربات إلى الله ..
هذا المزج الرائع والإقتران الواضح بين الشورى من ناحية وبين الصلاة والإنفاق ومن قبل الإستجابة لله وكلها ممارسات إيمانية ..

والمتابع لحياة النبي (ص) يجد حرصا شديدا على التأكيد على إعتبار الشورى ثابتا من ثوابت النظام الإسلامي كممارسة تعبدية لله وكقيمة إيمانية ..
في غزوة أحد .. وبعد وقوع نتائج مؤلمة من مصاب المسلمين في سبعين من الصحابة الكرام ومصاب النبي (ص) في عمه حمزة ومصاب الصحابة في النبي ذاته وقد شج وجهه وكسرت رباعيته ووقوع خللا ظاهريا في وحدة الصف المتمثل في رجوع إبن سلول بثلث الجيش الأمر الذي يمكن أن يرى أنه نتيجة شورى أبرمت خلافا لرأي النبي (ص) نجد المعالجة التربوية لأحداث الغزوة من القرآن قول الله تعالى :
” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ”
ليؤكد على أصل هذه الممارسة وعلى أنها ممارسة تعبدية إيمانية قبل النظر في ظاهر النتائج المترتبة عليها ..
ثم مرة أخرى ذلك المزج الفريد بين العفو والاستغفار من ناحية وهما ممارسات إيمانية وبين الشورى من ناحية أخرى ..

وفي كثير من أحاديث النبي (ص) نجد تأصيلا فريدا لهذه الممارسة الإيمانية ..
روى إبن مردويه عن علي ابن أبي طالب , سأل النبي (ص) عن العزم فقال :” مشاورة أهل الرأي ثم إتباعهم ”
وعن سهل ابن سعد الساهلي أن رسول الله (ص) قال :“ ما شقي عبد قط بمشورة وما سعد بإستغناء رأي ”
وقال إبن عباس في تفسير قوله تعالى : ” وشاورهم في الأمر ” : قال (ص) : ” إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن إستشار لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا ”
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : ” ما رأيت أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله ( ص) ” رواه البخاري
والصحابة وسلف الأمة من بعده (ص) على الأثر ..
أخرج البخاري عن ابن عباس : وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشورته كهولا كانوا أو شبانا ..
وروي أن عمر ابن عبد العزيز : كون مجلسا للشورى من 77 رجل من الفقهاء والعلماء والقضاة فلا يبرم أمرا دون مشورتهم ..
وسأل الأحنف بن قيس : بأي شيء يكثر صوابك ويقل خطأك فيما تأتيه من الأمور ؟ قال : بالمشاورة لذي التجارب ..


واستكمالا للصورة .. وفي نهاية الحديث في المقدمة عن كون الشورى ممارسة إيمانية يبقى أن نتطرق إلى أمرين في غاية الأهمية ..



الأمر الأول : مفهوم الشورى من هذه الزاوية

البحث عن الحق والصواب , من خلال جهد بشري ملتزم بمنهج الله يبتغي تحقيق التقوى بهذه الممارسة ..

إخواني ..
وهل تقبل عبادة كالصلاة والزكاة وهما ممارسات عبادية وهل تقبل ممارسة إيمانية أيا كانت إن لم تكن مقيدة بمنهج الله !!
أليس هذا تأكيدا ضمنيا على كون الشورى ممارسة إيمانية ..
وماذا عن تحقيق التقوى من خلال ممارسة الشورى أليس هذا الغرض الأسمى من صيام رمضان ” لعلكم تتقون ”
تأكيدا ثانيا على كون الشورى ممارسة إيمانية ..
ويبقى تأكيدا أخيرا أتركه حتى نصل إلى محور آخر من محاور الحديث عن الشورى ..

الأمر الثاني : أهمية ممارسة الشورى
يقول الإمام علي كرم الله وجهه : في الشورى سبع خصال ..
1. إتباع الأثر ..
3. واستنباط الصواب ..
5. والتحصن من السقطة ..
7. ونجاة من الندامة ..
2. وألفة القلوب ..
4. واكتساب الرأي ..
6. وحرز من الملامة ..

1. إتباع الأثر ..
فالشورى أمر من الله جاء بها القرآن ونص عليها حديث النبي (ص) وسميت سورة من القرآن ” سورة الشورى ” ..
بالإضافة إلى :
أ. تحقيق صفة من صفات المؤمنين ” وأمرهم شورى بينهم ”
ب. الإلتزام بواجب إسلامي ” وشاورهم في الأمر“

2. ألفة القلوب ..

فأحد أهم ثمار الشورى أنها تجمع القلوب وتطيب الخواطر وتعطي إعتبارا لكل شخص داخل الجماعة هذا في أصل الممارسة كما تكون في الممارسة ذاتها في مراعاة آداب خاصة ( سنتحدث عنها لاحقا ) ..
ولعل الإشارة في قوله تعالى : ” ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك ” وأن هذه الفظاظة وأن أحد أسباب إنفراط عقد الجماعة يكون بلا شك في ترك العمل بالشورى ..
بالإضافة إلى أن هذه الممارسة تجعل الجميع مطمأنين لسلامة إتخاذ القرار داخل الجماعة بما يقوي الثقة في القيادة وينمي الولاء للدعوة ..

3. إستنباط الصواب ..
فمن خلال المفهوم السابق وهو أن الشورى هدفها الأصيل البحث عن الحق والصواب نجد بركة عظيمة وتوفيقا كبيرا من الله سبحانه وتعالى ..
يقول الحسن البصري : ما تشاور قوم قط بينهم إلا عزم الله لهم بالرشد أو الذي ينفع وهداهم لأفضل ما يحضرهم .. , ويقول الإمام علي كرم الله وجهه : الإستشارة عين الهداية ..
وكثير من المواقف في تاريخنا الإسلامي تؤكد تأكيدا لا يدع مجالا للشك أن إستنباط الصواب من خلال ممارسة الشورى يكون أقرب إلى التوفيق ..
حين فشا طاعون عمواس وعمر في طريقه إلى الشام لقيه أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه عند تبوك وكان رأي أبو عبيدة أن يدخلوا الشام فقد جائوا لأمر ولا يرى أن يرجع عنه ..
فاستشار عمر الناس فأشاروا عليه بالرجوع وألا يقدم الناس على وباء ..
فقال أبو عبيدة : أتفر من قدر الله ؟!
فقال عمر : نعم .. نفر من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان أحدهما خصبة والأخرى جدبة فإن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ..
وحسم الأمر عبد الرحمن ابن عوف حيث كان غائبا لم يحضر الشورى فقال : سمعت رسول الله (ص) يقول : ” إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع بأرض وانتم بها فلا تخرجوا منها ”
ولنا مع هذا الموقف وقفتان :
محاولة عمر تفسسير الأمر الذي إستقرت عليه الشورى لأبو عبيدة صاحب الرأي الآخر ليكون ذلك أدعى للإستجابة وتبني رأي الأغلبية ..
في وجود النص فعلى الجميع الإلتزام بأمر الله عز وجل ورسوله (ص) ..

4. إكتساب الرأي ..
يقول أ. محمد عبد الله الخطيب : الشورى محك يكشف أطراف النية ومنثور الموهبة وحدود الطاقة ويعرف معادن الرجال وتتمايز القدرات ويبرز مستوى الإيمان والعلم ..
وفي هذه النقطة نتطرق لعدة أمور تنبثق منها :
أ. الإستفادة بالمواهب .. الحباب بن المنذر في غزوة بدر وقد أشار على النبي (ص) بتغيير مكان جيش المسلمين , يستفيد منه النبي (ص) ويعطيه في أحد راية الخزرج ..
ب. دراسة الوسع والطاقات .. في مشورة بدر( العير أم النفير ) نجد أهم نقاط القوة في جيش المسلمين هذه الروح العظيمة التي ظهرت في أثناء ممارسة الشورى ..
كقول المقداد : لن نقول لك إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالله لو إستعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه مك ما تخلف منا رجل واحد ..
وقول سعد بن معاذ : يا رسول الله سر بنا حيث شئت وأقطع حبال من شئتوصل حبال من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأترك لنا ما شئت وما أخذت كان أحب إلينا مما تركت ......
ج. إختبار معادن الرجال .. مشورة النبي (ص) للسعدان في المصالحة على ثلث ثمار المدينة في أثناء حصار الخندق ولم يكن يحب النبي (ص) ذلك ووجد في رد سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ما يبين حقيقة معدنهم الأصيل وقد قالا : ” فما لهم عندنا إلا السيف يا رسول الله ..“
د. الخروج بأفكار جديدة مبتكرة .. في شورى الخندق خرج سلمان الفارسي برأي جديد مبتكر حاز تأييد الصحابة وإعجاب النبي ( ص) : ” كنا في بلاد فارس إذا حوصرنا خندقنا حولنا ” ولم تكن تلك الفكرة مألوفة عند العرب وكانت أحد أسباب نصر الله عز وجل وأحد ثمار الشورى .

5. التحصن من السقطة ..
الشورى عصمة من الإقدام على أمر يضر بالأمة قد لا يشعر ولي الأمر بهذا الضرر وقد لا يكون هناك سبيل إلى إصلاحه بعد وقوعه ..
يقول الإمام علي : الإستشارة عين الهداية وقد خاطر من إستغنى برأيه ..
ولعلنا نذكر فرعون وقد أعلنها : " ما أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد " وإذا به يوم القيامة يقدم قومه فيوردهم برأيه وتفرده به النار وبئس الورد المرود ..



6. حرز من الملامة ..
حين تدور الشورى على قواعدها الإيمانية وفي شمولها الإيماني في مختلف مستويات المسؤلية وميادين حياة الأمة فإن الكلمة المريضة تنهزم والنجوى الآثمة تموت وتغلق أبواب الإشاعة المؤذية ..
فالشورى ممارسة ذات خصائص إيمانية تتم في جلاء ووضوح تشكل حماية للجماعة وحماية لأفرادها فلا يجد العدو ثغرة ينفذ منه إلى فتنة أو تأليب أو حتى تحريك الألسنة بالملامة ..

7. نجاة من الندامة ..
إن ما يبعث على الندم في حقيقة الأمر عدة أمور نجملها ولا نزيد ..
فوات الأجر المترتب على ممارسة الشورى بآدابها
فوات التوفيق وبركة إتباع أثر النبي (ص) في ممارسته للشورى
فوات آراء وأفكار ومواهب كان مقدرا لها أن تبرز لولا ترك العمل بالشورى
الندم حين يؤدي الإنفراد بالرأي إلى كارثة ونجد من الآراء حولنا ما كان يمكن أن يحول دون وقوعها لولا تركنا للشورى
تحرك الألسنة بالملامة وتصدع الصف وفقدان الثقة في القيادة حين يجانب القرار الإنفرادي الصواب ..