كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الاثنين، 4 يناير 2010

من دروس الدعوة الأولى

ملاحظة المنة

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد ..

يقول الله عز وجل : " وما بكم من نعمة فمن الله " النحل 53

هذه الآية الجامعة التي ترد كل نعمة حاصلة للعبد إلى أصلها وإلى المُنعم بها سبحانه وبحمده نجد أنها تخاطب أول من تخاطب نحن معشر الدعاة السائرون إلى الله , لأنه في الحقيقة ما وُفِّق أحد من خلق الله لنعمة إلا كانت دونما وفقنا له من نعمة الهداية , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله ليعطي الدنيا من أحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الدين، فقد أحبه)

صحيح رواه الحاكم

يقول أحد الصالحين : إن الله إذا فتح لك بابا ووجههة لتعرفه منها فاعلم أن ذلك من الله اعتناء ولك إجتباء , فكيف بمن فتح الله له وجهة لمعرفته وسبيلا لخدمته وحمل رايته والعمل في دعوته بل والموت في سبيله ..

هي نعمة كبرى نحمد الله أن جعلنا لها أهلا وأكرمنا بأن نكون جنودا لدعوته , وهو في الحقيقة يلزمنا أن نجعل أول خطوات السير إلى الله وأول الإشارات التربوية للعاملين للإسلام خطوة شعارها : ملاحظة المنة

والحقيقة هذا الدرس - درس التذكير بالنعمة والحث المستمر على ملاحظتها - أحد النداءات والأساليب التربوية في كتاب الله عز وجل ..

في سورة الأعراف يقول الله عز وجل على لسان هود عليه السلام وهو يخاطب قومه مربيا ومعلما :

" أوعجبتم أن جائكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون "

ويقول الله عز وجل على لسان صالح عليه السلام وهو يخاطب قومه :

" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين "

وفي بداية السورة وفي معرض الحديث عن المؤمنين نجد هذا الوصف الفريد .. يقول الله عز وجل :

" ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتها الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون "

فهو الإعتراف التام أنه لولا الله ما كانت الهداية ولا سرنا في ركب المهتدين ..

وهو النهج الذي اتبعه القرآن وهو يخاطبنا نحن أمة محمد (ص ) ...

قال تعالى : " وءاتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها " إبراهيم

وقال تعالى : " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " لقمان

وقال تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "

وجعلها الله محل ثناءه على من اكتمل تربيته وتمت هدايته فأثنى على خليله إبراهيم بشكره لنعمه .. قال تعالى " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " النحل

ولعل أحد المحاور الهامة في سورة الحجرات محور " ملاحظة المنة " فقد تضمنته في موضعين :

الأول .. يقول الله عز وجل " واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون . فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم " هو الله الذي منّ وتفضل وتكرم علينا بهذا العطاء

الثاني .. يقول الله عز وجل " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين "

فالمن لله ورسوله فلولا الله ما اهتدينا ولا لدين الله عملنا ..

وأمام هذا الفضل الكبير من الله سبحانه وتعالى أن جعلنا من أصحاب الرسالة ومن السائرون إلى الله لابد لنا من ثلاث مواقف ..

الموقف الأول : إظهار هذه النعمة والاستبشار بها وأن نقابلها بما يليق أن تقابل نعم الله به ..

يقول الله عز وجل " يا أيها الناس قد جائتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين . قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " يونس

يقول ابن القيم " شكرك لله هو أن يجد أثر نعمتة على لسانك ثناءً واعترافًا و على قلبك شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحك انقيادًا و طاعة وعلى وجهك فرحا ورضا "

الموقف الثاني: القيام بحق هذه النعمة وهو شكرالله عليها عملا ..

ولابن القيم تقسيم لنعم الله جيد ضمنه كتابه الفوائد يقول :

[ النعمة ثلاثة :

نعمة حاصلة يعلم بها العبد

ونعمة منتظرة يرجوها

ونعمة هو فيها لا يشعر بها

فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده , أعطاه الله من الشكر ما يثبت له به النعمة الحاصلة ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة وإذا بها قد وافته على أتم الوجوه , وعرفه النعمة التي هو فيها لا يشعر بها حتى يشكرها ]

ويقول في معنى قوله تعالى : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله أعلم بالشاكرين " الأنعام

يقول ابن القيم : [هم الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على المنعم بها وأحبوه وقاموا بشكره]

ولو أردنا أن نرى نموذجا لشكر نعم الله عملا فعلينا برسول الله (ص) الذي كان يقابل العدو بنفسه وحين البأس لا يكون أحد أقرب إلى العدو منه ويقوم الليل حتى تتورم قدماه وعندما يسأل عن سر ذلك وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول : " أفلا أكون عبدا شكورا "

ونموذج آل داود عليهم وعلى نبينا السلام

في سورة النمل يحكي القرآن موقف نبي الله سليمان مع نملة وعظت قومها حرصا عليهم ورغبة في صلاحهم , فهم قولها سليمان فقال وقد تذكر نعمة الله عليه " فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين "

وفي سورة سبأ يقول الله عز وجل وهو يعدد نعمته على آل داود " ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد . أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير . ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور "

يقول ابن كثير [ وكان شكر داود أن قسم اليوم بينه وبين أهله فلا تمر ساعة من ليل أو نهار إلا ورجل من آل داود قائم لله يصلي ]

ويقول النبي (ص) " خير الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وخير الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وكان لا يفر إذا لاقى "

الموقف الثالث : حراسة النعمة ..

نعم هكذا بهذه الحروف وبهذا الوصف " حراسة النعمة " أن تزول وتحول إلى غيرنا إذا لم نقم بحفظها وشكرها عملا , إذا لم تصبح ما نتغنى به فرحا في خلواتنا مع الله ..

هو شعور الذي " عنده علم من الكتاب " في قصة سليمان وقد شعر بعظيم فضل الله عليه وقد يكون من كلام " نبي الله سليمان " وقد حققت أمنيته على أفضل ما أراد فقال : " فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءَأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم "

وهي خاتمة سورة محمد ومتممة دروسه التربوية الرائعة يقول اللع عز وجل : " ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "

وفي الحديث الذي يرويه الطبراني : " إن لله تعالي اقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويقرها فيهم ما بذلوها فاذا منعوها نزعها منهم فحولها الي غيرهم "

وهو وصية رسول الله لأمنا عائشة رضي الله عنها " يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قل إن نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم " وفي رواية : " يا عائشة أكرمي جوار نعم الله فإنها قلما انكشفت عن أهل بيت فكانت تعود فيهم "

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: [ ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها ، وما أذنب عبد ذنباً فندم عليه إلا كتب الله له مغفرة قبل أن يستغفره، وما اشترى عبد ثوبا بدينار أو نصف دينار فلبسه فحمد الله عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له ]

وفي الحديث مسلم " إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها "

وكان حذيفة بن اليمان يقول : [ ما عظمت نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عظما ]

وقال جعفر بن محمد : [ ما أنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وشكرها بلسانه فيبرح حتى يزداد ]

وكان نداء الفضيل بن عياض دائما [ عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم ]

اللهم إنا نسألك بكل نعمة أنعمت علينا أن ترزقنا شكر نعمك عملا والعمل بنعمك شكرا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين الله أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .. اللهم آمين , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

ليست هناك تعليقات: