كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الخميس، 3 ديسمبر 2009

الشورى ممارسة إيمانية .. الجزء الثاني

الشورى نظاماً

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ممد وعلى آله وصحبه وسلم ..

وبعد .. فقد تناولنا البعد الأول من موضوع الشورى ممارسة إيمانية وهنا نتطرق إلى بعد ثاني في ممارسة الشورى تحت عنوان الشورى نظاما ..

أولا .. مفاهيم أساسية ..

1 . تعريف الشورى

2 . حكم الشورى في الإسلام ..

3 . الشورى في فكر الإمام البنا ..

4 . الشورى والديموقراطية ..

تعريف الشورى ..

شار العسل : صفاه ونقاه

وشرت الدابة : إذا جربتها لتعرف قوتها ..

الشورىالإستشارة – المشورة

الشورى : تداول وتقليب الآراء بين مجموعة معينة حول موضوع معين من خلال جهد بشري ملتزم بمنهج الله للوصول إلى رأي معين يتم الإجتماع عليه أو يحوز رأي الأغلبية ويصبح ملزما للجميع ..

الإستشارة : طلب الإستنارة من أصحاب الخبرة والعلم للإسترشاد بها وليست بالتالي ملزمة في حق من يطلبها .

المشورة : وهي بمعنى النصيحة يتطوع بها الفرد دون سؤال أو طلب وقد تكون من الجندي إلى القائد مثل مشورة الحباب بن المنذر في غزوة بدر أو من القائد إلى الجندي عندما يكلفه بأمر ما ويقدم له المشورة بما يعينه على تحسين الأداء ..

حكم الشورى في الإسلام ..

هناك خلاف بين العلماء في حكم الشورى وهل هي ملزمة لولي الأمر أم معلمة بمعنى أنه يجوز لولي الأمر ألا يأخذ بها , ولكن الأقرب إلى الصواب أنها ملزمة ..

بل أن بعضهم أنكر كون الشورى معلمة أصلا يقول الشيخ الغزالي : القول بأن الشورى لا تلزم أحدا كلام باطل ولا أدري من أين جاء ولعل ذلك كان فلسفة لواقع معين وتسويغ للإستبداد السياسي من فقهاء السلطة ..

ولعل ما يوافق ذلك قول النبي (ص) : لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما : ” لو إتفقنما في أمر ما خالفتكما .. ”

ومجمل ممارسات النبي(ص) تقرر ذلك بلا لبس وفي شورى غزوة أحد دليل لما أقول حيث نزل النبي الكريم على رأي الأغلبية ورفض أن يعدوه إلى غيره ولو إلى رأيه هو وقال كلمته الشهيرة : ” ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن يخلعها حتى يفصل الله بينه وبين عدوه .. ”

وممن قال بالشورى الملزمة :

1 .الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر في كتابه من توجيهات الإسلام

2 . الدكتور يوسف القرضاوي

3 . الأستاذ سعيد حوى

4 . الشهيد عبد القادر عودة

5 . الشهيد سيد قطب

6 . د. مصطفى السباعي

الشورى في فكر الإمام البنا ..

كان الإمام البنا في أول حياته متحمسا للشورى المعلمة وكان يحمل إخوانه بالحوار على الأخذ بها ولكنه في أيامه الأخيرة إنتهى إلى الأخذ بالشورى الملزمة وترك لنا قانوت الجماعة الذي صاغته لجنة مؤلفة من ( أ. عبد الحكيم عابدين , أ. طاهر الخشاب , أ. صالح عشماوي , وعلى رأس اللجنة الأستاذ البنا ) وتم إقراره عام 1948م .

وينص على " الأخذ والإلتزام برأي الأكثرية وإذا ما تعادلت الأصوات فإن الرئيس يكون مرجحا " .

وكأننا بالإمام البنا رحمه الله قد أخذ بالشورى المعلمة عندما كان تلامذته ناشئين وبعد أن بلغوا مرحلة متقدمة في الوعي والفهم إنتهى إلى الأخذ بالشورى الملزمة .

الخلاصة ..

الشورى أحد الثوابت العشرة للإخوان المسلمين وإختيار الجماعة الفقهي أنها ملزمة في كل الحالات .. أي يلتزم الجميع بما افرزته الشورى من قرارات سواء كان ذلك على مستوى الشعبة أو ورد من المستوى الأعلى ..

وإذا كان لفرد ملاحظة فليرفعها بالطريق المعتاد دون أن يحزب أحدا حول رأيه مهما تكون الظروف ..

الشورى والديموقراطية ..

الديموقراطية : نظام سياسي إجتماعي غربي النشأة عرفته الحضارة الغربية في حقبتها اليونانية القديمة وطورته نهضتها الحديثة والمعاصرة .. وهي تستند إلى المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر التشريع فالسلطة في النظام الديموقراطي هي للشعب بواسطة الشعب لتحقيق سيادة الشعب ومقاصده ومصالحه ..

ومن ثم كان النظام النيابي الذي يقوم به نواب الأمة المنتخبون عن جمهور الأمة بمهام سلطات التشريع والرقابة والمحاسبة لجهات الدولة التنفيذية هو التطوير الذي لحق الديموقراطية المباشرة الذي تمارس الأمة كلها وبشكل مباشر هذه المهام حين تعذر تطبيق ذلك ..

وجه الإتفاق بين الشورى والديموقراطية ..

الشورى تتفق مع الديموقراطية من حيث الآليات والمؤسسات والخبرات في أنها كلها تجارب إنسانية قابلة للتطور وفق الزمان والمكان والملابسات فليس هناك آليات مقدسة .

يقول الشهيد سيد قطب :

" ... أما الشكل الذي تتم به الشورى ليس مصبوبا في قالب حديدي فهو متروك للصورة الملائمة لكل زمان ومكان لتحقيق هذا الطابع في حياة الجماعة الإسلامية .. والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالا جامدة وليست نصوصا حرفية إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن إستقرار حقيقة الإيمان في القلب وتكيف الشعور والسلوك بهذه الحقيقة .. ومتى وجد المسلمون حقا ووجد الإيمان في قلوبهم بحقيقته نشأ النظام الإسلامي نشأة ذاتية وقامت صورة منه تناسب هؤلاء المسلمين وبيئتهم وأحوالهم كلها وتحقق المبادئ الكلية للإسلام خير تحقيق .. "

وجه الإختلاف بين الشورى والديموقراطية ..

1 . في أصل الممارسة فالشورة تكليف رباني ممارسته نؤجر عليها ..

2 . في مصدر التشريع حيث يكون :

3 . في الديموقراطية حق من حقوق الأفراد

4 . أما في الشورى فهو حق ثابت لله سبحانه وتعالى فيما نص فيه من قرآن أو سنة ثم يكون دور الإنسان التشريعي فيما لا نص فيه وفيما يحتمل وجوها عدة وفي المصالح المرسلة شريطة أن يكون ملتزما بمنهج الله محكوما بفلسفة الإسلام في التشريع

ثانيا .. حول آليات الشورى

1 . في أي شي تجرى الشورى

2 . مجالات الشورى

3 . كيفية إجراء الشورى

4 . شروط يجب توافرها في من يمارس الشورى

5 . أحذر من هذه العشرة ..

في أي شي تجرى الشورى

وتكون الشورى في الأمور كلها في أمور الدنيا والدين التي لا نص فيها من كتاب الله ولا صحيح سنة النبي (ص) ونتيجتها دائما محكومة بمنهج الله فلا ينفذ قرار ولو إجتمع عليه الأغلبية إذا كان مخالفا لمنهج الله ..

ومن أمثلة ذلك : زنت إمرأة فارسية محصنة على عهد عمر ابن الخطاب فعقد مجلسا للشورى فكان رأي الأغلبية أن ترجم وقال عثمان رضي الله عنه : أنها لا ترجم إستنادا إلى قاعدة في الشريعة أنه لا عقوبة على من جهل الحد وأنها لا تعلم التحريم فتعزر ولا ترجم فنزلوا على رأيه فكان الحكم الشرعي ضابطا للشورى إلتزاما بها ..

مجالات الشورى

مجالات الشورى كثيرة ولابد من أن تمتد الشورى لتغطي في الحقيقة كل مجالات الحياة ومن مجالات الشورى :

1 . لقاء الأسرة .. من حيث : موعد إجتماعها نشاطها فيما يوكل إليها من أعمال ... )

2 . الأنشطة التربوية ( الرحلة المخيم الكتيبة ... )

4 . في حل بعض المشكلات التي من إختصاص هذه الجهة ( أسرة مجلس شعبة لجنة فنية ... )

5 . عند طرح موضوع معين للشورى على جهة معينة ..

6 . داخل البيت المسلم مع الزوجة والأبناء

7 . في الولاية العامة

كيفية إجراء الشورى ..

1 . تحديد مظان الشورى وعلى أي مستوى تؤخذ ..

بقول أ. رضا النحوي في كتاب ملامح الشورى : قد تمتد الشورى لتشمل الأمة كلها أو معظمها وتضيق حتى تشمل أفرادا ويحدد ذلك عدة أمور : الواقع البشري – القضية المطروحة – ظروف الأمة المؤمنة وحالتها الطارئة – الطاقة البشرية المتخصصة والمؤسسات الإيمانية المتخصصة – التنظيم الأداري ومستويات المسؤلية والأمانة ..

2 . تحديد الأمر المراد أخذ الشورى عليه من خلال وضوح رؤية عند جميع أفراد الشورى ولا يجوز حجب أي معلومات أثناء أخذ الشورى ..

3 . عرض الآراء والحلول والإتجاهات المقترحة بحيادية وبدون إستخدام أسلوب يدل على الميل نحو رأي بعينه فلا يجوز توجيه الشورى .. ومن ذلك قول عمر بن الخطاب لمجلس شورته حين إجتمع بهم لبحث أمر أرض الشام والعراق : " إني لم أزعجكم إلا لأشرككم في أمانتي وفيما حملت من أموركم فإني واحد كأحدكم وأنتم اليوم تقرون الحق خالفني من خالفني ووافقني من وافقني ولا أريدكم أن تتبعوا رأيي , معكم من الله كتاب ينطق بالحق فوالله لئن كنت نطقت أمرا أريده ما أريده به إلا الحق .. "

4 . التصويت بعد الإطمئنان إلا أن كل فرد من أفراد الشورى عرض فكرته وأوضحها بالشكل الذي يجعله مطمأنا إلى قرار الشورى أيا كان وإن خالف رأيه ..

5 . كتابة الرأي الذي حاز الأغلبية وإن تساوى الأفراد فرأي المسؤل يكون مرجحا وقرائته على الأفراد ومراجعته لفظا ومعنى ويكون هو رأي الجميع بعد ذلك

شروط يجب توافرها في من يمارس الشورى

1 إيمان صادق ( الشورى ممارسة إيمانية جاءت مرتبطة بالصلاة والإستجابة لله )

2 . علم بمنهج الله

3 . علم بالموضوع الذي تدور حوله الشورى

4 . وضوح رؤية حول الشورى ( الهدف منهاآلياتهاشروطهامظانهاآدابها ... )

أحذر من هذه العشرة ..

1 . حجب أي معلومة أثناء أخذ الشورى

2 . تزيين رأي معين لبعض الأفراد قبل أخذ الشورى بما يمنعهم من التدبر المنصف في الآراء الأخرى

3 . تسفيه رأي المخالف مهما كان هذا الرأي

4 . التربيط على الرأي بما يؤثر على إتخاذ القرار بعد ذلك

5 .عدم إعطاء الفرصة الكاملة والمتكافئة لإبداء الآراء

6 . عدم تدريب الأفراد على الممارسة الصحيحة للشورى

7 . إبداء المسؤل رأيه قبل الآخرين تصريحا أو تلميحا

8 . التوقيت غير المناسب للشورى حول أمر ما بحجة ضيق الوقت

9 . أخذ الشورى في أمر أو قرار وارد من المستوى الأعلى ( ينفذ / أو لا ينفذ) وليس في كيفية التنفيذ

10 . عدم الإلتزام بما تقرره الشورى من قرارات أو آراء بحجة أن هذه الآراء لا تخدم الدعوة وأنه صاحب خبرة وتجربة أو أنه لم يؤخذ رأيه في هذا الأمر ...

ويبقى الجزء الأخير من موضوع الشورى ممارسة إيمانية وهو آداب ممارسة الشورى

د.محمد النعناعي