المعنى الثاني .. إجعل الحق طلبتك
فليس المراد أن تكون مصيبا على طول الخط - فهذا مغايرا لواقع الحال وطبيعة البشر الخطائين بل وإن كنا كذلك فإننا نضع أنفسنا في مظان العجب – وإنما المراد أن تكون ناشدا للحق على طول الخط سواء أجراه الله على قلبك أم أجراه على قلب سواك , وإن حملك هذا على الظهور بمظهر الخاسر ضعيف الحجة , ولست كذلك وإنما رغبة الوصول للحق هي أبدى عندك وأولى من كسب خاص ومجد شخصي وانتصار وقتي وإيثار نفسك على الحق ..
وللإمام الغزالي قاعدة ذهبية تعد ضمانا حقيقيا لأن تسع صدورنا المخالف لنا في الرأي يقول : الداعية الصادق في طلب الحق كناشد الضالة لا يبالي بيده أم بيد غيره فاءت إليه ..
ونثني بلفتة دقيقة موفقة للشهيد سيد قطب يقول : [ ليس الذي يثير النزاع هو إختلاف وجهات النظر إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة نظر يصر عليها مهما تبين له وجه الحق في غيرها وإنما هو وضع الذات في كفة ووضع الحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداءً ]
يقول الأستاذ الراشد في رسالة فضائح الفتن : } خطبنا فضيلة الأستاذ المرشد عمر التلمساني رحمه الله، فقال:إن أمرنا يفهم من خلال قضيتين : رؤية الحق، وأن يرزقنا الله اتباع الحق .. وذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه). وصدق رحمه الله.
إن دارنا أيها الإخوان دار عمل وعبادة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتهذيب وتعليم، وما هي دار فلاسفة يتجادلون، ولا منتدى شعراء بضاعتهم اللسان، ولذلك فإن عُرفنا يقول بتأكيد أساسيات العمل، من الطاعة التامة، والتزام النظام والخُطة والمنهج، وعدم الالتفاف على التسلسل المرجعي، وترك التقدم بين يدي المقدمين وإن تربيتنا تقوم على تعميق أساسيات الإيمان، من ترسيخ العلاقات الأخوية، وتعمير القلوب، وصون اللسان.
نطرح الحسد ونقيم التكافل ونخرج من ضيق القبلية والإقليمية والشعوبية ، إلى سعة التعارف ورحاب العمل المنتشر في الآفاق نضع مشاعر الجاهلية تحت أقدامنا، ونلبي أمر الزنجي الأسود إن كان هو الأعلم الأكفأ , توجهنا إيماني، وشرطنا إسلامي، وشعورنا اُخوي ,لا نعرف الضغينة ولا نسمح بالغيبة .. إن إغراء الشيطان ربما يجعل اللجوج المماري يتمنى إذ تكلم أخوه المخالف له في اجتهاده أن يتلعثم ويطيش، وينسى النحو والفصاحة، وأن يُقضّ مضاجع سيبويه .. {
وقد كان الشافعي يقول : ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني )
فحيا الله الشافعي على ما أوجز فأغنى عن كثير البيان , هكذا فلندرب مشاعرنا ونجعل الحق هو غايتنا المنشوده..