كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الأحد، 3 يناير 2010

مفهوم الأمن القومي .. من موقع أمل الأمة ( الحلقة الأولى )

مفهوم الأمن القومي

على الرغم من الأهمية القصوى لمفهوم الأمن وشيوع استخدامه، إلا أنه مفهوم حديث في العلوم السياسية.. فقد ظهر مصطلح الأمن القومي National Security كنتيجة لقيام الدولة القومية في أوروبا القرن السادس عشر، وتلته مصطلحات أخرى مثل المصلحة القومية والإرادة الوطنية. ويعود الاستخدام الحديث لمصطلح الأمن إلى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر تيار يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب, وهو ما تبلور في إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ومنذ إنشاء مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974 استخدم مفهوم الأمن بمستوياته المختلفة طبقا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية.

والأمن من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية يعني "حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية"، ومن وجهة نظر هنري كيسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يعني "أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء"، ومن وجهة نظر روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق.. "إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة.. إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها، ومواجهتها؛ لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل".

وأول تعريف حديث للأمن القومي تمثل في "قدرة الدولة على حماية أراضيها وقيمها الأساسية والجوهرية من التهديدات الخارجية"، وبخاصة العسكرية منها بغرض تأمين أراضي الدولة ضد العدوان الاجنبي وحماية مواطنيها ضد محاولات إيقاع الضرر بهم وبممتلكاتهم ومعتقداتهم وقيمهم.

ومع تطور مفهوم قدرة الدولة، اتسع مفهوم الأمن القومي إلى "القدرة الشاملة للدولة على حماية قيمها ومصالحها من التهديدات الخارجية Threats والتحديات الداخلية Challenges"، وغالبا ما توجه هذه التهديدات إلى الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعتقدات، ومن بينها صور الصراع المسلح والانقلابات العسكرية ومخططات تغيير نظام الحكم وأعمال الجاسوسية والتخريب المادي والمعنوي وأعمال الارهاب والنشاط المناهض والضغوط والمقاطعة الاقتصادية والحرب النفسية والإعلام الموجه المعادي.

وبلاشك فإن مسألة الأمن القومي أصبحت مسألة نسبية في عصر أصبحت فيه وسائل التدمير الشامل قادرة على الوصول إلى أي مكان في العالم، ومن ثم لا يوجد ما يعرف بالأمن القومي المطلق.. فالأمن القومي الآن هو مزيج من القدرة الشاملة للدولة والقوة المؤثرة لها وحسن الجوار والعلاقات الدولية المبنية على التحالف والتكامل والتعاون.

ومفهوم الأمن ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى.. "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"، فالأمن ضد الخوف، الذي يعني بالمفهوم الحديث التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي.

وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل للأمن من وجهة نظر د. زكريا حسين أستاذ الدراسات الإستراتيجية والمدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية يتمثل في.. "القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتى المجالات في مواجهة المصادر التي تتهددها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطا للأهداف المخططة".

وللأمن أربع مستويات..

1- أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.

2- الأمن الوطني، ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يعبر عنه "بالأمن القومي".

3- الأمن الإقليمي، باتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها، ويعبر عنه أيضا "بالأمن القومي".

4- الأمن الدولي أو العالمي.. وتتولاه المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

وقد مر مفهوم الأمن بمرحلتين هامتين نتيجة التطورات العالمية..

في المرحلة الأولي كان ينظر اليه بالنظرة الاستراتيجية الضيقة وهي..‏ صد هجوم عسكري معاد وحماية الحدود من الغزوات الخارجية وتحقيق والمحافظة على الاستقلال الوطني.‏

وفي المرحلة الثانية صار على الدولة أن تؤمن مواطنيها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ضد أخطار متعددة فرضتها طبيعة الانفتاح الواسع على العصر الحديث‏.

وفي ظل انتهاء عصر العزلة، وذيوع فكر العولمة.. تراجعت سيادة الدولة وتناقصت استقلالية القرار الوطني‏ لصالح قوي إقليمية أو‏ دولية، فهناك قرارات أصبحت تصدر بالمشاركة بين السلطة الوطنية وبين غيرها من السلطات الخارجية مثل المنظمات الدولية،‏ ولم تعد القرارات الاقتصادية حكرا للمسئولين في الدولة وإنما أصبحت مشاعا‏، بالإضافة إلى تأثرها بالمؤسسات الخارجية كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرهما‏..‏ مما يعد انتقاصا من السيادة ومن الأمن القومي. وهكذا أصبحت مساحة التدخل الأجنبي في كثير من شئون الدولة ـ في ظل العولمة ـ أكبر من أي عصر مضي، واتخذت صورا متغيرة، كما سمحت بأدوار متعددة لبعض التيارات الاجتماعية والأفكار الجديدة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة‏. كما أن ظاهرة العنف والارهاب التي برزت خلال العقدين الأخيرين أدت إلى تغيير مفاهيم الأمن القومي للدول‏,‏ فأصبح الأمن بالنسبة للولايات المتحدة مثلا يمتد إلى كل بقعة في العالم.

ليست هناك تعليقات: