كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الخميس، 18 سبتمبر 2008

الإعتكاف









الإعـتـكـاف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
أيها الأحبة الكرام ها قد مضى من رمضان ثلثاه وكأني بنا منذ أيام ونحن نستعد لرمضان ونختبر أولى لياليه وإذا بعشرون ليله منه قد تفلتت من أيدينا ..

فهل شعرنا ونحن وإياكم على مشارف الثلث الآخر من رمضان أن الله قد بلغنا رمضان ؟!
هل شعرنا بأن الله جعلنا ممن أدرك خير هذا الشهر ؟؟!!

هل جلست خاليا إلا من الله في ساعة تذكر الله ففاضت عيناك ؟

هل إنزويت في ركن من أركان بيتك أو في مصلاك تقرأ القرآن فرق قلبك وخشع جسدك ووجدت أنك أنت أنت المخاطب بهذه الآيات فتمر بأمرالله لك فتقول : لبيك اللهم لبيك .. وتمر بالنهي فتقول : انتهيت ربي انتهيت ..

هل سجدت سجدة في ظلمة الليل حيث لا يراك أحد فسجد قلبك وسمعك وبصرك وعصبك ومخك لله رب العالمين فوقع في نفسك أنها لربما تكون السجدة الموعودة التي أخبر عنها النبي (ص) فقال :
" لو تقبل الله من عبد سجدة لأدخله بها الجنة " ..

هل قمت بين يدي مولاك عز وجل والناس نيام والخليون هجع وقد أرخى الليل سدوله وأختلط الظلام وأفترشت الفرش وخلا كل حبيب بحبيه فناجيته بكلامه وتملقته بإنعامه وشكوت إليه حال قلبك وجمود عينيك ولذت به وإذا بالعبرات تخنق صوتك وإذا بك تصرخ باكيا رباه ليس لي رب غيرك أرجوه وليس لي إلاه غيرك أدعوه أدعوك داء البائس الفقير المستغيث المستجير دعاء من ذل لك جسده وخشع لك قلبه ورغم لك أنفه وفاضت لك عبرته لا تحرمني خير هذا الشهر فأكون من المحرومين لا تطردني عنك فأكون من الضالين ..

ولأن الإجابات ستكون مؤلمة ولأننا بالفعل قد بعدت الشقة بيننا وبين كنوز هذا الشهر وأعطياته ولأن الله رحيم بنا جعل لنا فرصة أخيرة لمن أراد أن يستدرك ما فاته ويلحق بركب الفائزين ..

ومن هنا كانت عبادة الإعتكاف فما حقيقة الإعتكاف ؟!

يقول ابن رجب الحنبلي : حقيقة الإعتكاف قطع العلائق عن الخلائق للإتصال بخدمة الخالق ..
فهو التفرغ الكامل إلا من الله في الحديث القدسي , يقول الله عز وجل : " عبدي تفرغ لعبادتي أملا قلبك غنا وإلا تفعل ملأت قلبك شغلا ثم لا يكون إلا ما قسمته لك "
و يحدث كعب الأحبار عن عبادة الخلوة فيقول : من تعبد لله ليله حيث لا يراه أحد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته ..
ويقول بشر بن الحارث : من ذاق حلاوة الخلوة بالله لأستوحش إليها من نفسه ..
ويسأل النبي (ص) عن الإعتكاف فيقول : " هو يعكف الذنوب جميعا "
وتحدثنا أمنا عائشة وهي تصف حال النبي (ص) إذا دخل العشر الأواخر من رمضان فتقول : " كان رسول الله إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المأزر " متفق عليه
ويقول ابن عباس : من إعتكف لله يوما باعد الله بينه وبين النار قدر ثلاث خنادق قدر الخندق ما بين السماء والأرض ..
وفيه المكث في المساجد والنبي (ص) يقول : " المسجد بيت كل تقي وقد تكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة " صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبو الدرداء

وفيه تجد النفوس طريق العودة إلى الله فيه البكاء على الآثام والندم على الخطيئة والإستغفار من الذنب وما أعجب موقف الحليم الكريم سبحانه وتعالى من الذين قالوا : " إن الله ثالث ثلاثة " ومن الذين قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم فيقول الله عنهم : " أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه " هكذا بمجرد أن تهم بالعودة إليه حتى يتلقاك من بعيد ويقابل الشبر منك توبة واستغفارا بذراع منه مغفرة ورحمة والذراع بباع وإن أتيته تمشي أتاك سبحانه وتعالى هرولة ..
ثم فوق ذلك كله يجعل نفسه عند ظنك به كما في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة : يقول الله عز وجل : " أنا عند ظن عبدي بي " وفي رواية " فليظن بي ما شاء "
قال مجاهد : يؤمر بالعبد يوم القيامة إلى النار فيقول ما كان هذا ظني ؟! فيقول وما كان ظنك : فيقول أن تغفر لي !! فيقول الله عز وجل : " خلو سبيله " ..

وفيه ليلة القدر : التي جعلها الله خير من ألف شهر تتنزل فيها الملائكة وفيهم جبريل يصافح أهل الصدقة وأهل البر ومن صافحه جبريل يرق قلبه وتكثر دموعه ..
وسماها " مباركة " وأنزل فيها القرآن ..
" إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك إنه هو السميع العليم " الدخان 3-6
وجعلها ليلة للموفقين فلا يدرك ليلة القدر إلا من له عند الله قدر , يقول النبي (ص) : " وفيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "

أليس من تنبه إلى عظم هذه العبادة استطاع أن يستدرك ما فاته وأن يلحق بالركب المرتحل إلى الله ..

ما زالت الفرصة سانحة وما زال السوق قائما فبادر قبل أن ينفض وليكن دعائك أيام هذه العشر دعاء النبي (ص) الذي وصى به أمنا عائشة : " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني "

وليكن حالك حال النبي (ص) الذي تصفه أمن عائشة فتقول : " كان رسول الله (ص) يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيرها "
ولسنا بأغنى عن هذه النفحة الربانية من النبي (ص) وليس بأحوج إليها منا ..
فجدوا واستعدوا وادعوا الله أن يجعلنا من الموفقين لليلة القدر ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين