كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الأحد، 27 ديسمبر 2009

من أساليب التربية المؤثرة

من أساليب التربية المؤثرة

القدوة ( العدوى الوجدانية )

للقدوة الحسنة أثر كبير في التربية إذ أنه كثيرا ما يحاول الأخ عن طريق مراقبة سلوكيات المربي أن يحكم على الأشياء ويقلد المربي في كل شيء حتى في ملبسه وطريقة كلامه ..

ولذلك نجد تركيزا شديدا في المنهج القرآني وفي منهج النبي (ص) على أهمية القدوة الحسنة ..

يقول الله عز وجل :

" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " الصف

" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " البقرة

وعن أسامة بن زيد أنه سمع النبي (ص) يقول : " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر , قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه " رواه البخاري

القدوة في المنهج التربوي للنبي (ص) ..

1 - أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله (ص) أنه قال : " من قال لصبي تعال هاك أعطك ثم لم يعطه فهي كذبة "

2 - أخرج أبو داود عن عبد الله بن عامر قال : دعتني أمي يوما ورسول الله (ص) قاعد في بيتنا فقالت: تعال أعطك فقال لها النبي (ص) : ما أردت أن تعطيه ؟ " قالت: أردت أن أعطيه تمرا .. فقال لها النبي (ص) : " أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة "

3 - بناء المسجد : كان النبي (ص) يعمل بيده مع أصحابه في بناء المسجد وهو يقول : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة " رواه مسلم

فكان أثر هذه القدوة المباشر أن نشط الصحابة للعمل وهم يقولون : لإن قعدنا والرسول يعمل .. لذاك منا العمل المضلل ..

ونجد في الممارسات الرائدة التي قام بها سلف الأمة دليلا قاطعا على أهمية القدوة وأثرها في التربية حتى قالوا :

تسبق أنوار الحكماء أقوالهم فحيث صار التنوير وصل التعبير ..

روي أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدب ولده :ليكن أول ما تبدأ به من تربيتهم إصلاحك لنفسك فإن أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت .. (نصيحة الملوك للمواردي)

كان أبا يزيد طيفور بن عيسى البسطامي رضي الله عنه لما حفظ : " يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا " قال لأبيه : يا أبت من الذي قال له الله تعالى هذا ؟ قال: يا بني ذلك النبي (ص) فقال : يا أبت فمالك لا تقوم الليل كما صنع النبي (ص) ؟ فقال : يا بني لإن قيام الليل خص به النبي (ص) دون امته !! فسكت الغلام

فلما حفظ قوله سبحانه وتعالى " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك " قال : يا أبت أسمع أن طائفة كانت تقوم الليل فمن هي ؟ قال : يا بني هؤلاء الصحابة !!

فقال: با أبت فأي خير في ترك ما عمله النبي (ص) وصحابته !! ..

فقال : صدقت فكان أبوه بعد ذلك يقوم الليل ..

فاستيقظ أبو يزيد ليلة فوجد أبوه يصلي فقال : يا أبت علمني كيف أتطهر وأصلي معك !!

فقال: يا بني أرقد فإنك صغير بعد .. فقال: يا أبت إذا كان يوم يصدر الناس أشتاتا ليرو أعمالهم فسألني ربي أقول له : قلت لأبي علمني كيف أتطهر لأصلي معك فقال لي أرقد فإنك صغير بعد !!

فقال له : لا والله يا بني لا أحب هذا وعلمه فكان بعد ذلك يصلي معه .. أنباء نجباء الأبناء / ابن ظفر المكي

ومن الطرائف في هذا الباب ما جاء في محاضرات الأدباء (1/56) : قال أبو محمد يحي وكان مؤدب المأمون في صغره : صليت يوما قاعدا فأخطأ المأمون فقمت لأضربه فقال : يا شيخ أتطيع الله قاعدا وتعصيه قائما !! فكتب بذلك إلى الرشيد فأمر له بخمسة آلاف درهم .

وروي أن الحارث المحاسبي مر وهو صبي على أولاد يلعبون على باب رجل تمار فوقف الحارث ينظر إلى لعبهم وخرج التمار ومعه تمرات فقال للحارث : كل هذه التمرات ..فقال الحارث : وما خبرك فيها ؟

فقال الرجل : بعت الساعة رجلا تمرا فسقط هذا منه

فقال الحارث : أو تعرفه ؟ قال : نعم .. فقال الحارث : وأنت أيها الشيخ مسلم ؟

فقال الرجل : وما قصدك ؟! فقال الحارث : إن كنت مسلما فاطلب صاحب التمر كما تطلب الماء إذال اشتد بك العطش حتى تتخلص من تبعته .. يا شيخ أتطعم أولاد المسلمين السحت وأنت مسلم ؟!

فقال الرجل : صدقت والله ما اتجرت للدنيا بعد اليوم أبدا

حتى نكون رجالا يترجمون المقال

وإذا أحببنا أن نقوم بتفسير لآلية عمل القدوة في التأثير التربوي فإننا نقوم بتفسير ذلك على ضوء أربع نظريات هامة تناولها الراشد في المسار ..

ا – قدرة الصلاح الحاسمة : فبمقدار الصلاح الذي يحوذه المربي القدوة كانت أعماله وممارساته أقرب في التأثير , وأذكر أنه من الوصايا القيمة التي أسدت إليّّ في بدايات عملي في مجال الطفولة تتلخص في أمرين :

الأول : عمل صالح قبل ( اللقاء – النشاط – توجيه الأخ لسلوك معين - ..... ) فذلك أرجى في التأثير .. كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم ..

الثاني : التوبة والإستغفار قبل كل عمل .. يقول الفضيل " عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم ما لا يرده الحذر "

ومن وصايا عمر بن عبد العزيز القيمة : لا يكونن شيئ أهم إليك من إصلاح نفسك فإنه لا قليل من الإثم ..

2 – إنعكاس الإختيار الذاتي : المربي القدوة مؤمن رائد استتم له النبل فصار بموضع الأسوة وليس ذلك إلا عن طريق مجموعة من الإختيارات في الحياة وإنما يحسن الإختيار للناس من أحسن الإختيار لنفسه .. فإن أحسنّا اختياراتنا في الحياة سينعكس ذلك تلقائيا على من نربيهم فيرقى مستوى اختياراتهم و يكون أقرب موافقة للشرع ..

لذلك نجد من الأسئلة التي كثيرا ما نسألها لأنفسنا ونحن نتصدر لمهمة التربية وما زالت عندنا بعض الهفوات التي يمكن أن نقول أنها نتيجة ضعف في خياراتنا في بعض المواقف :

كيف أربي غيري وأنا أحتاج إلى تربية ؟ بل كيف أنصب من نفسي قيما على أخطاء الآخرين أقوم وأوجه وأن بعد لم أحسن الإختيار لنفسي ؟

وهو سؤال ينم عن حرص شديد وتحري للترقي نحو المعالي وإن كان الوقوف عنده طويلا قد يؤدي بنا إلى باب من الفتنة عظيم .. لذلك كانت الإجابة :

أخي المربي .. لا تتخلى ولكن تخلى واستعن بالله على ذلك !!

لا تتخلى ( الأولى ) عن مهامك ومسؤليتك في توجيه غيرك , ولكن تخلى ( الثانية ) من التخلية والمقصود : من سلبياتك وهناتك واختياراتك السلبية في الحياة ..

3 – حركة أصداء الورع : فالمربي القدوة الورع الصالح لورعه وصلاحه أصداء تنساب في أجواء الدنيا من حوله فيستجيب له ويتأثر به كل من كان في مدي هذه الأصداء ..

يقول أحد الصالحين :على قدر شغلك بالله واستجابتك لما يرضيه يكون شغل الناس بك وتأثرهم بما تقول واستجابتهم لك فيما يرضي الله ..

وعلى ضوء هذا المعنى يمكن تفسير حديث النبي (ص) : " إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه ...... ثم يوضع له القبول في الأرض "

ولذلك قال الحسن البصري لولده: يا ولدي ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة عندما سأله يوما عن السر في تأثر الناس بكلا م الحسن وعدم تأثرهم بكلام بعض الوعاظ

4 – كفاية تعبير الحقيقة : ما إدّعى أحد قط إلا لخلوه من الحقائق ولو تحقق بشيء لنطقت عنه الحقيقة ولأغنته عن الدعوى ..

وهذا هو معنى العدوى الوجدانية ( التأثير الصامت ) : عندما تنتقل الأخلاق والسلوكيات والقناعات من شخص إلى شخص فقط بمجرد معايشتهم لبعضهم البعض دونما مجهود من المربي فقط تعبر عنه الحقائق المتمثلة فيه .. لذلك كان السلف يقولون : كنا ننظر في وجه محمد بن واسع فنعمل عليها شهرا .

وبعد هذه النظريات التي فسرت على ضوءها آلية عمل القدوة تظل نظريات وتظل الحقيقة في ممارسة النبي (ص) القائدة التي تأسى بها الصحابة فكانوا خير القرون ومن هنا ندرك حجم المعنى المتمثل في هتافنا " الرسول قدوتنا " ..