كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الخميس، 28 أغسطس 2008

الحماية الربانية.... المقدمة...

الحماية الربانية
الجزء الأول

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ( ص) وبعد ..
عندما نتأمل السياق القرآني في سورة يوسف نجد أن أحد أهم محاور السورة هو هذا التدخل المتكرر من الله سبحانه وتعالى ليتولى قيادة الموقف والسيطرة على مجريات الأحداث .. ففي موقف مراودة إمرأة العزيز ليوسف نجد أن الخطاب القرآني :
" وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " ..
وينسب عملية حماية يوسف من هذه المؤامرة إلى الله سبحانه وتعالى ..
ونجد أن يوسف عليه السلام في موضع آخر يطلب هذه الحماية فيقول :
" وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "
وفي غير موضع في السياق نجد أثر هذا التدخل المباشر من الله سبحانه وتعالى في مجريات الأحداث ..
يقول الله تعالى :
1. "وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
2. " وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين "
3. " وكذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله "
ونجد في نهاية السورة إعترافا من يوسف عليه السلام بأثر هذا الحماية ..
يقول الله تعالى :
" ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي : إذ أخرجني من السجن , وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم . ربي قد آتيتني من الملك , وعلمتني من تأويل الأحاديث , فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين . "
هذا هو المعنى الذي أحب أن أتحدث فيه إليكم .. معنى الحماية الربانية ..
في قصة موسى عليه السلام يتجلى بوضوح هذا المعنى ونحن نتابع القصة في سياق سورة القصص وفي مطلعها

" وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( 9) "


يقول الأستاذ سيد قطب : نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعفة , والمشركون هم أصحاب الحول والطول والجاه والسلطان نزلت تضع الموازين الحقيقية للقوى والقيم , نزلت تقرر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود ,هي قوة الله ; وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون , هي قيمة الإيمان . فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه , ولو كان مجردا من كل مظاهر القوة , ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ولو ساندته جميع القوى ..
ومن ثم يقوم كيان السورة على قصة موسى وفرعون في البدء : تعرض قوة الحكم والسلطان , قوة فرعون الطاغية المتجبر اليقظ الحذر ; وفي مواجهتها موسى طفلا رضيعا لا حول له ولا قوة , ولا ملجأ له ولا وقاية . وقد علا فرعون في الأرض , واتخذ أهلها شيعا , واستضعف بني إسرائيل , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , وهو على حذر منهم , وهو قابض على أعناقهم . ولكن قوة فرعون وجبروته , وحذره ويقظته , لا تغني عنه شيئا ; بل لا تمكن له من موسى الطفل الصغير , المجرد من كل قوة وحيلة , وهو في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة ترعاه عين العناية , وتدفع عنه السوء , وتعمي عنه العيون , وتتحدى به فرعون وجنده تحديا سافرا , فتدفع به إلى حجره , وتدخل به عليه عرينه , بل تقتحم به عليه قلب امرأته وهو مكتوف اليدين إزاءه , مكفوف الأذى عنه , يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه !


ومرة ثانية وقد افترق عن أمه الني استجابت للأمر وألقت وليدها في اليم فتتولى الحماية الربانية مهمة لم الشمل مرة ثانية ..
يقول الأستاذ سيد قطب : إن القدرة التي ترعاه تدبر أمره , وتكيد به لفرعون وآله ; فتجعلهم يلتقطونه , وتجعلهم يحبونه , وتجعلهم يبحثون له عن ظئر ترضعه , وتحرم عليه المراضع , لتدعهم يحتارون به ; وهو يرفض الثدي كلما عرضت عليه , وهم يخشون عليه الموت أو الذبول ! حتى تبصر به أخته من بعيد , فتعرفه وتتيح لها القدرة فرصة لهفتهم على مرضع , فتقول لهم :
" هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون "
يتلقفون كلماتها , وهم يستبشرون , يودون لو تصدق فينجو الطفل العزيز المحبوب !
وينتهي المشهد فنجدنا وقد عاد الطفل الغائب لأمه الملهوفة معافى في بدنه , مرموقا في مكانته , يحميه فرعون وترعاه
امرأته , وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن قرير العين . وقد صاغت يد القدرة الحلقة الأولى من تدبيرها العجيب..
" فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين َ (14) "
ومرة أخرى بل مرات عديدة والحماية الربانية تبرز كسمة أساسية في السياق القرآني عند تناول حياة موسى عليه السلام في مواطن عدة من القرآن ..
يقول الله تعالى :
" قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما أنتما ومن اتبعكما الغابون "
" قالا ربنا إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى . قال لا تخافا إني معكما أسمع وأرى " طه 45-46