كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الخميس، 24 ديسمبر 2009

دروس مستفادة من رحلة الهجرة 5

إعدلوا هو أقرب للتقوى , أينما تولي .. أنت داعية

في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي t بتأدية هذه الأمانات لأصحابها في مكة رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط، رغم ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان لينسى أو ينشغل عن رد الأمانات إلى أهلها، حتى ولو كان في أصعب الظروف التي تنسي الإنسان نفسه فضلا عن غيره

وإنه من الممكن أن يتبادر إلى الذهن أن هذه الودائع هي حق للمهاجرين الذين تركوا أموالهم ودورهم بمكة وليس هذا تفكير الداعية الأمين الذي يفهم قول الله عز وجل : " ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى .. "

إنه لابد ألا ننسى دوما أننا دعاة إلى الله وأن أول من يطالب بتنفيذ تعاليم هذا الدين هو نحن وإن أمة اليهود سقطوا في القيام بواجبهم تجاه الدين من هذه الزاوية ..

في توراتهم المحرفة في سفر التثنية يقولوا : للأجنبي تقرض بربا أما أخيك فلا تقرض بربا .. لا تأكلوا جثة ما , أعطها للغريب الذي ببابك يأكلها ..

وفي سفر اللاويين : أبناء المستوطنين النازلين عندكم تستعبدونهم أبد الدهر وتتخذون منهم عبيدا وإماء لكم أما إخوتكم من بني إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف ..

أحيانا تغيب عنا هذه القيمة عندما نتعرض إلى الكثير من الإيذاء فيخرجنا ذلك إلى أن نحول التدافع ما بيننا وبين الباطل إلى معركة شخصية نتناسى فيها الغاية وسمو الهدف ونبل الوسيلة وليس هذا مسلك الدعاة المخلصين المصلحين المخاطبين بهذه القيم لتكون شعارا لهم عنوانهم ولو في صراعهم مع الباطل " ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى "

يقول صاحب الظلال : إن دور هذه الأمة هو أن تكون الوصية على البشرية ; تقيم العدل في الأرض , غير متأثرة بمودة أو شنآن , وغير ناظرة في إقامة العدل إلى ما أصابها أو يصيبها من الناس فهذه هي تكاليف القوامة والوصاية والهيمنة .. وغير متأثرة كذلك بانحرافات الآخرين وأهوائهم وشهواتهم ; فلا تنحرف فيه شعرة عن منهجها وشريعتها وطريقها القويم ; لاسترضاء أحد أو لتأليف قلب ; وغير ناظرة إلا إلى الله وتقواه ..

أينما تولي .. أنت داعية

وهنا نكمل المعنى ويتضح الأمر فالرسول ( ص) وهو مهاجر إلى الله عز وجل كما لم ينسى أنه مطالب بإقامة القيم التي يحملها ويبذلها حتى فيمن آذوه وأخرجوه لم ينسى كذلك أنه داعية حتى وهو مطارد مخرج من قومه لا يعرف ما ستؤل إليه الأمور بعد إلا أنه يثق بموعود الله ..

ذكر ابن حجر العسقلاني رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام، وقد غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام، وفتح الله لقومه - أَسْلَم- على يديه أبواب الهداية

وفي طريق الهجرة أسلم لصّان على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان في طريقه صلى الله عليه وسلم بالقرب من المدينة لِصَّان من أسلم يقال لهما المهانان، فقصدهما صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الإسلام فأسلما، ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان، فقال: «بل أنتما المكرمان» وأمرهما أن يقدما عليه المدينة

ومنما يؤكد هذا المعنى موقفه (ص) مع أم معبد :

يقول كتاب السير أنه بعد ثلاث ليالٍ من دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار، وقد هدأ الطلب ويئس المشركون من الوصول إلى رسول الله،وفي الطريق إلى المدينة مر النبي صلى الله عليه وسلم بأم معبد في وادي قديد حيث مساكن خزاعة، وهي أخت خنيس بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثير: « وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا»

فعن خالد بن خنيس الخزاعي t صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة .. مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت كهلة كبيرة السن قوية عاقلة تحتبي أي تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى على ركبتيها، وتلك جلسة الأعراب بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوهما لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم قد نفد زادهم ودخلوا على سنة جدب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: «فهل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين أن أحلبها؟» قالت: بلى بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلباً فاحلبها.

فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه ( فتحت ما بين رجليها للحلب ) ، ودرت واجترت ودعا بإناء يُرْبِض الرهط أي يسقيهم حتى يناموا ، فحلب فيها ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها.

فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافاً ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاة عازب حيال ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: ووصفت النبي (ص) ( راجع القصة في كتب السيرة )

قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً.

وقد روي أنها كثرت غنمها، ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة، فمر أبو بكر، فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: أو ما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها. وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت، وذكر صاحب (الوفاء) أنها هاجرت هي وزوجها وأسلم أخوها خنيس واستشهد يوم الفتح

وفي قصة يوسف وقد ألقي في السجن مظلوما إلا أنه إغتنم أول فرصة ليدعوا إلى الله بالقول الصادق بعد أن دعا إليه بالسمت الحسن وهو ما أقر به صاحباه " إنا نراك من المحسنسن "

ليست هناك تعليقات: