كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

الشورى ممارسة إيمانية .. الجزء الثالث

آداب ممارسة الشورى 3

3- حسن الظن ..

أحيانا قد يقع الأخ في أثناء تأويل الإختلاف في الرأي إلى مواقف سابقة بينه وبين صاحب الرأي المخالف أو مواقف للأخ المخالف كان قد أصاب أو أخطأ فيها فيأول موقفه الآخر إعتمادا على هذا الظن وهو أشبه بقول القائل إن تنحية عمر لخالد رضي الله عنهما كان لموقف كان بينهما في الجاهلية وهو تفكير مغلوطوسوء ظن لا يليق بأصحاب الدعوات ..

لذلك كثرت النصوص التي تحذر من سوء الظن :

يقو ل الله عز وجل : " يا أيّها الذين آمنوا اجتنِبوا كثيراً مِن الظنِّ إنَّ بعْض الظنِّ إثمٌ "

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إيّاكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث [متفق عليه] ..

وفي سورة النور يصف القرآن موقف أبو أيوب الأنصاري وزوجته أم أيوب روى ابن إسحاق: أن أبا أيوب قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة - رضي الله عنها ? – قال : نعم . وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب ? قالت: لا والله ما كنت لأفعله قال : فعائشة والله خير منك . . وفي رواية أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب: ألا ترين ما يقال ? فقالت: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله [ ص ] سوءا ? قال:لا . قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة - رضي الله عنها - ما خنت رسول الله [ ص ] فعائشة خير مني , وصفوان خير منك ..

فينزل القرآن مؤكدا على موقف أبو أيوب وزوجته وجعل هذه الممارسة أصلا معتبرا " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين " ولاحظ معي هنا كلمة [ أنفسهم ] فالسبيل الأول لتناول أي قضية مطروحة هو إنزال الآخر منك منزلة نفسك ثم تقول لو كنت بدل فلان هل كنت أقول ما أقول لكذا وكذا مما لا يصح , فحسن ظنك بأخيك بعض حسن ظنك بنفسك ..

ولشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى نصا رائعا يوضح عظم هذه القيمة واعتبارها حتى في أصول الحكم والفتوى يقول:[ ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة ، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه ، لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته ..].

ويروى أن إمرأة دخلت على الشافعي في مرضه فقالت : قوى الله ضعفك يا إمام ..فقال الشافعي : " اللهم بقلبها لا بلسانها فقالت والله ما أردت إلا خيرا فقال : صدقت ولو كان غير ذلك لتأولته لك ..

فحسن الظن هو بمثابة الحياة لممارسة الشورى ومن غيرها تكون الشورى ميتة لا حياة فيها ولا غناء ..

4- التجرد من حظ النفس واتباع الهوى

التجرد من الشيء الخلوص منه وهو المقصود اللغوي من معنى التجرد وهو عين المقصود هنا وإذا كانت الأخوة روح الممارسة الإيمانية للشورى وصبغتها طيب القول وحياتها حسن الظن فلابد أن تكون غايتها هي الله عز وجل

في أحد روايات السيرة في موقف مصعب بن عمير وقد جاءه أسيد ابن حضير معترضا قال له أسعد بن زراره : يا مصعب هذا سيد من وراءه قومه فأخرج حظ نفسك من نفسك وأدعه "

كلمات رائعة توضح فقه هذا الصحابي الجليل وهو من أصحاب البيعة ومدى وعيه لهذه القيمة حتى في ممارسة الدعوة وإذا كانت كذلك فحاجتنا إليها في ممارسة الشورى أكبر وأعظم

وللإمام الغزالي كلمة تصلح قانونا لممارسة الشورى من هذه الزاوية يقول : الداعية الصادق في طلب الحق كناشد الضالة لا يبالي بيده أم بيد غيره فاءت إليه ..

وهو مذهب الإمام علي وكل ما يقلقه على ممارسات الأمة من بعده فيقول رضي الله عنه : إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى فطول الأمل ينسي الآخرة واتباع الهوى يبعد عن الحق .

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله وبها أختم كلامي حول معنى الشورى : [ ليس الذي يثير النزاع هو إختلاف وجهات النظر إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة نظر يصر عليها مهما تبين له وجه الحق في غيرها وإنما هو وضع الذات في كفة ووضع الحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداءً ]

إخواني بهذا أكون قد بينت ما سعيت إليه منذ بداية حديثي إليكم حول الشورى كممارسة إيمانية ويبقى أن نستعين بالله عز وجل ونتجه إليه مخلصين داعين أن يوفقنا لهذه الممارسة الأجورة المثابة والتي تنقلنا إلى حيز قول الله عز وجل " ولسوف يرضى "

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ..

وأسعد بتعليقكم

د. محمد النعناعي

ليست هناك تعليقات: