كن في الدنيا حثيث الخطى شريف السماع كريم النظر .. كن رجلا إن أتوا بعده يقولوا مر وهذا الأثر

الأحد، 31 أغسطس 2008

رمضان لأول مرة


رمضان لأول مرة ..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ( اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم ) .. وبعد ..
أيام قليلة ويحل بجوارنا شهر الله الفضيل .. هذا الضيف العزيز الذي طال الشوق إلى لقاءه .. فكل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم ..
في مثل هذا الوقت من كل عام نجلس دوما إلى أنفسنا يحدونا الشوق إلى مجيء رمضان ويكون الحديث المتكرر عن فضل هذا الشهر وفضل العبادة فيه .. ويطول الحديث وتسموا النفوس مع فضل الصيام وروعة القرآن وشرف القيام .. ثم يبدأ رمضان وتمر أيامه سراعا وتبدأ الهمم تفتر والعزائم تخور والأرواح تسأم والقلوب تألف لنعود إلى سابق عهدنا قبل رمضان ..
ثم نفاجئ بأنه لم يبقى على إنتهاء الشهر الفضيل إلا أيام ونحاول ساعتها أن ندرك ما يمكن إدراكه من هذا الشهر ونكون عندها قد تأخرنا كثيرا وانقضى الشهر ..
لذلك كان هذا الشعار " رمضان لأول مرة " لأننا هذه المرة سنحاول التفكير بطريقة مختلفة ونتعامل مع رمضان عامنا هذا وكأننا نختبره لأول مرة .. رمضان لأول مرة تحمل عنصرا يجدد قيمة رمضان في قلوبنا وكأنه في كل عام أول مرة وكأن ركعاته أول ركعات وسجداته أول سجدات ودعواته أول دعوات .. نفسية جديدة وروح جديدة في كل عام ..

اللهم بلغنا رمضان

هذا الدعاء القريب المحبب إلى القلوب الذي كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يدعون به واصفا حالة فريدة من الشوق ورغبة أكيدة في تحري الأجر والخير والتعرض إلى هذه النفحة الربانية يحمل في طياته معنا قد لا يبدو جليا للوهلة الأولى إلا إذا فهمنا قبلا مفهوم الدعاء ..
الدعاء : حالة اتصال بين من لا يملك ( البشر ) ومن يملك سبحانه وتعالى طلباً لاستجلاب خير أو دفع ضر .. وهو من هذا الناحية يمثل عنصر الضعف المجبول عليه البشر والحاجة إلى الله سبحانه وتعالى ..
فهو إذا " اللهم بلغنا رمضان " رجاء نرفعه إلى الله بأن يجعلنا ممن يدرك هذا الشهر إدراك حقيقي مقرون بالفوز بغنائم هذا الشهر والتوفيق إلى العبادة فيه ثم إخلاصها لله حتى يتقبل منا .. لأنه يمكن أن لا ندركه أصلا أو ندركه إدراك على سبيل المجاز بالمصطلح الإيماني بمعنى أنه إدراك مفرغ من حقيقته المتمثلة في إدراك فتوحات هذا الشهر وهبات الله القيمة فيه ..
الخلاصة : رمضان من التوفيقات الربانية التي لا يُوفقُ إليها إلا مُوفّق ..
ولعل من الوسائل الجالبة للتوفيق لإدراك هذا الشهر أمرين في غاية الأهمية :

1 - إستشعار مدى حاجتنا إلى رمضان ..
رمضان فرصة كبيرة من الفرص التي شاء الله عز وجل أن يجعلها محطات يمكن لمن سار مبتعدا عن الله أن يعود أدراجه منها ..
كنت وأنا صغير عندما تمر بي أيام أسير فيها مبتعدا عن الله أنظر لرمضان متخيلا نفسي تائها مبتعدا عن بيتي من غير هدى لا أعلم كم طالت المسافة بيني وبين ديار أهلي وإذا بي أجد لوحة على جانب الطريق مرقوم عليها مسافة البعاد وإشارة تبين طريق العودة ..
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: " إني والانس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري الى العباد نازل وشرهم اليّ صاعد، أتودد اليهم بالنعم وأنا الغني عنهم ويتبغضون اليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون اليّ ، أهل ذكري أهل مجالستي ، من أراد أن يجالسني فليذكرني، أهل طاعتي أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا اليّ فأنا حبيبهم، وان أبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، من أتاني منهم تائبا تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، أقول له أين تذهب ؟ ألك رب سواي ، الحسنة بعشر أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم "
ورمضان فرصة للتغيير .. كثير من الشباب ينظر إلى حاله ويتألم كثيرا لابتعاده عن الله ويبدأ قلبة يلين ويعزم التوبة ثم يكون العائق أمامه هو الوسط الذي يعيش فيه والحالة العامة من الجذر الإيماني لدى الناس فلعل في رمضان يجد بغيته في جو الغالب عليه الإقبال على الله لن يجد استغرابا من الناس في أي حركة تغيير يقوم بها سواء في عبادته أو في سلوكه الشخصي
ولعل هذه هي أهم فرص هذا الشهر وما أجمل ونحن نتعامل مع هذه الفرصة ومع رمضان من هذه الناحية أن نستحضر دوما رغبة الله عز وجل في أن نعود إليه تائبين راجين مغفرته ورحمته ..

جاء في الأثر: " أن الله تبارك وتعالى نادى داود: يا داود لو يعلم المدربون عني شوقي لهم وحبي ورغبتي في عودتهم لطاروا شوقا اليّ، يا داود: هذه رغبتي بالمدبرين عني فكيف حبي للمقبلين عليّ ".
ويقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشسمس من مغربها " رواه مسلم.
ومن أسباب حاجتنا إلى هذا الشهر فرص العفو والمغفرة ومضاعفة الأجر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين " رواه البخاري ومسلم
وفي رواية لمسلم " فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين "
وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " رواه النسائي والبيهقي
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم " رواه ابن ماجه وإسناده حسن
وهل هناك شهر النافلة فيه بفريضة والفريضة فيه بسبعين فريضة إلا شهر رمضان ..
وهل تحيا القلوب وتبرأ الأرواح وتسمو النفوس وتلين الجلود وتقشعر الأبدان وتفيض العبرات وتكثر الأنات إلا في هذا الشهر ..
فعجبا لمن ليس له في رمضان حاجة , عجبا لمن نزل أرض المغفرة ولم يكتال منها وسعه أو خرج منها ولو بسهم , وعجبا لمن شهد موسم الأرباح ولم يظفر من الجنة بقصر , وعجبا لمن حضر سوق الرحمات فنام والسوق سينفض آخر الشهر .

2- قدموا بين يدي رمضان .. قربانا إلى الرحمن ..
في سورة المائدة يصف القران حالة من الترقب والشوق إلى استجلاب خير لم يصرح به القرآن وهو يحكي لنا قصة إبني آدم ولكن نجد آيات القرآن تنص صراحة على وسيلة استجلاب هذا الخير قال تعالى : " إذ قربا قربانا " ..
من هنا كان لنا أن نقدم بين يدي رمضان قربانا إلى الله عز وجل لعل الله يجعلنا ممن يدرك هذا الشهر , وكل حسب حاجته من رمضان , فالبعض يختار اثنين من أصحابه ويبدأ في تهيأتهم لشهر رمضان وقد عزم على إشراكهم في برنامجه فله مثل أجرهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيء لسان حاله : يارب عجلت إلى رحابك بعبدين تائبين لعلك ترضى عني ..
ومنا من سيستعد بصيام شعبان وقيام راتب في أيامه ومضاعفة للورد أو صدقة في السر أو نحو ذلك من سبل الخير ..
ولكن هناك قضية هامة ونحن نتعامل مع التهيأ لرمضان بتقديم بين يديه قربانا إلى الله وهي التخوف من الوقوع في دائرة قوله تعالى في نفس الآية السابقة من سورة المائدة : " فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر " فهناك آفة تصيب القربان تؤدي به وبنا إلى عدم القبول ولا أجد هذه الآفة إلا الذنوب ولعل هذا ما أراد ابن آدم الذي تقُبِّـل قربانه أن يلفت أنظارنا إليه وهو ينصح أخاه بقوله : " إنما يتقبل الله من المتقين " فلابد قبل رمضان من توبة وطول استغفار فلعل ذلك أرجى لنا في القبول من الله ..
نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يعيده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال ولا ينقضي رمضان إلا وقد لانت قلوبنا وسالت مآقينا ونشعرنا بلذة القرب وقضيت حوائجنا ونلنا جوائزنا وقد رضي الله عنا وجعلنا من عتقائه من النار ..
وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ..


د . محمد عبدالمنعم

هناك تعليقان (2):

mohammed salah يقول...

السلام عليكم

جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع القيم ..

حادي الأرواح يقول...

السلام عليكم
أخي وأستاذي د.محمد
ربنا يبارك فيك موضوع رائع وأفكاره عملية كما تعودت منك
كل عام وأنت إلى الله أقرب
وفي إنتظار موضوعك القادم
وجزاك الله خيراً